أزمة السيولة النقدية تعصف بالسودان وتعود به إلى "التجارة الصامتة"

عادت بعض مناطق السودان -خاصة في غرب البلاد وجنوبها- إلى "التجارة الصامتة" بسبب شح السيولة النقدية، وأفرز ذلك تشوهات في أسعار السلع التي تباع عبر التطبيقات المصرفية بسعر أعلى من التي تباع عبر العملة الورقية، كما تفشى التعامل الربوي في تبادل العملة الورقية والإلكترونية.

Ekleme: 19.11.2024 00:21:06 / Güncelleme: 19.11.2024 00:21:06 / Arapça
Destek için 

تعيش كثير من مدن ومناطق ولايات إقليم دارفور وكردفان أزمة في السيولة النقدية، مما دفع المواطنين للجوء إلى مقايضة السلع بسلع أخرى أو ما عرف في عصور غابرة بـ"التجارة الصامتة" التي سبقت اختراع العملة.

وأدى اندلاع الحرب قبل أكثر من 18 شهرا إلى إغلاق 12 من أصل 18 فرعا لبنك السودان المركزي في ولايات البلاد (18 ولاية)، مما حرم البنك من معرفة أوضاع العملة من أجل استبدالها أو سحبها وضخ فئات جديدة، مع صعوبة نقلها إلى الولايات بسبب الأوضاع الأمنية وإغلاق الطرق.

ووفقا لبيانات البنك المركزي، يتألف الجهاز المصرفي في البلاد من 38 مصرفا (16 سودانيا و22 مختلطا) لديها 833 فرعا و77 نافذة و73 مكتبا للتوكيل، وتضم مدن ولاية الخرطوم الثلاث 435 فرعا تمثل 49% من عدد الفروع في السودان.

وتحدث تقرير سابق لبنك السودان المركزي عن توقف 70% من فروع المصارف في المناطق التي تشهد مواجهات عسكرية أو متوترة أمنيا، وبعد عام ونصف العام من اندلاع الحرب تزاول حاليا نحو 427 فرعا في الولايات الآمنة أعمالها، أي نصف العدد الكلي للمصارف.

وقبل اندلاع الحرب أفادت تقارير غير رسمية بأن أكثر من 80% من الكتلة النقدية الموجودة في البلاد والمقدرة بنحو 900 تريليون جنيه كان يتم تداولها في اقتصاد الظل، وما تبقى منها لم يكن يخضع لرقابة البنك المركزي بشكل كامل.

وكانت معظم المصارف تفشل في الوفاء بمتطلبات الحد الأدنى لرؤوس الأموال، ودعا بنك السودان المصارف إلى الاندماج وتشجيع التطبيقات المصرفية، وطالب المؤسسات الحكومية بالتعامل بالدفع الإلكتروني لسداد الرسوم والمعاملات من قبل الجمهور.

وتشهد مناطق سيطرة مليشيا الدعم السريع في أغلب ولايات دارفور وكردفان والجزيرة وسنار أزمة حادة في السيولة النقدية، إذ تتراوح عمولة التحويل من التطبيقات المصرفية في مقابل الاستلام نقدا بين 10 و30%، وكذلك تباع السلع -خاصة الغذائية- عبر التطبيقات بسعر أعلى من العملة الورقية بنسبة 20%.

كما اضطر شح السيولة النقدية وضمور الكتلة النقدية في كثير من أسواق ولايات دارفور وكردفان كثيرا من السكان إلى اللجوء لمقايضة منتجات وسلع زراعية ومبادلتها بسلع أخرى، خاصة المصنعة والمستوردة مثل الزيوت والسكر والشاي وغيرها.

وكان رئيس الإدارة المدنية التابعة لمليشيا الدعم السريع التي تسيطر على ولاية غرب دارفور "التجاني الطاهر كرشوم" أرجع أسباب ارتفاع الأسعار بالمدينة إلى ما سماه انتشار الربا وسط التجار.

وحذر رجال دين في المنطقة من أن بيع العملة عبر التطبيقات المصرفية بسعر أقل من قيمتها الحقيقية في مقابل الحصول على عملة ورقية يعتبر ربا ويتحمل مسؤولية ذلك طرفا المبايعة.

ويكشف مسؤول في البنك المركزي أن مليشيا الدعم السريع نهبت كل المصارف في ولاية الخرطوم وولايات أخرى وأفرغت ما فيها من عملات محلية "جنيه" وأجنبية، بالإضافة إلى ما نهبته من مبالغ ضخمة من مطابع العملة في الخرطوم، وقدّر ما نهب من المصارف والمطبعة بما يعادل 350 مليون دولار.

ووفقا لحديث المسؤول، فإن الحكومة اضطرت إلى طباعة عملات في خارج البلاد، لمواجهة احتياجات المصارف في الولايات الآمنة التي استأنفت نشاطها.

وعزا شح السيولة إلى صعوبة نقلها للولايات المتأثرة بالحرب بسبب المخاطر الأمنية، واستبعد تغيير العملة الوطنية بصورة كاملة في هذه المرحلة لارتفاع تكلفة الطباعة التي تصل إلى نحو 400 مليون دولار.

ومع إغلاق عدد كبير من المصارف وانهيار خدمات الدفع الإلكتروني وعدم صرف أجور العاملين أو تأخرها يواجه السودانيون أزمة شديدة في السيولة النقدية اللازمة لتدبير معيشتهم، في ظل استمرار المعارك.

وفي مواجهة ذلك أعلن بنك السودان المركزي طرح فئتين جديدتين "500 وألف جنيه" للتداول قريبا.

وأوضح "المركزي" -في بيان الأسبوع الماضي- أن الهدف من طرح الفئة الجديدة هو "حماية العملة الوطنية وتحقيق استقرار في سعر صرفها، ومواجهة الآثار السلبية للحرب الدائرة، ولا سيما عمليات النهب الواسعة التي قامت بها المليشيا المتمردة لمقار بنك السودان وشركة مطابع السودان للعملة في الخرطوم".

ويقترح خبير مصرفي حث المصارف وتشجيعها على فتح فروع إلكترونية تُجرى فيها جميع المعاملات إلكترونيا، وإلغاء سحب العملات الورقية من فئة ألف جنيه التي صارت تستخدم وسيلة لاكتناز الأموال، وفي مرحلة لاحقة سحب الإصدارات من الفئات الكبيرة والاستعاضة عنها بفئات صغيرة.

كما يدعو الخبير المصرفي إلى تعزيز برامج الشمول المالي، بحيث تصل الخدمات المصرفية إلى كل المدن والقرى وإلزام الجهات التي تجبي إيراداتها نقدا مقابل خدماتها بتحصيل إيراداتها إلكترونيا باستخدام البطاقات المصرفية بقرارات ملزمة تصدر عن الحكومة، وإعطاء حوافز لمن يدفع إلكترونيا.

أما الخبير الاقتصادي "محمد الناير" فيعتقد أن أزمة السيولة النقدية في بعض المناطق أمر طبيعي في ظل الأوضاع الأمنية بالولايات التي تشهد نزاعات عسكرية، لأن نقل العملة الورقية يصبح غير ممكن، خصوصا في ولايات دارفور وكردفان ومواقع أخرى.

وحسب حديث الخبير، فإن التطبيقات المصرفية يسرت وصول الأموال إلى المواطنين في مناطق الحرب والمواقع الآمنة من داخل البلاد وخارجها، لكن توجد تعقيدات بسبب ضعف خدمة الإنترنت، مما يتطلب تطوير الخدمة لتشجيع التعامل الرقمي للأموال وتوسيع رقعة خدمات التطبيقات المصرفية لتجنب مخاطر نقل العملة الورقية.  (İLKHA)